يعدّ الصوم من الممارسات الروحيّة العميقة في مختلف الديانات والثقافات، ولا يقتصر تأثيره على الجوانب البدنيّة، بل يمتدّ إلى الروحيّة والعقليّة أيضاً.
وفي الهندوسيّة، يمثّل الصوم أحد الأبعاد الأساسيّة للتقرّب إلى الإله وتنقية النفس. لكن مع ذلك، يختلف الصوم الهندوسي في طقوسه وأهدافه عن الممارسات التي قد تكون مألوفةً في الديانات الأخرى.
مفهوم الصوم في الهندوسيّة
يعتبر الصوم في الهندوسيّة طقسًا روحيًّا يتمّ خلاله الامتناع عن تناول الطعام والشراب لفتراتٍ معيّنة، ويهدف إلى تطهير الجسد والروح. ففي الهندوسيّة، الصوم ليس مجرّد الامتناع عن الطعام، بل هو أيضًا ممارسة للانضباط الذاتي والروحانيّات، وهو يُعتبر وسيلةً للتخلّص من شهوات الجسد والتركيز على الروح، ممّا يساعد على تحقيق الصفاء الذهني والتركيز على العبادة.
أشكال الصوم الهندوسي
تتعدّد طرق وأشكال الصوم في الهندوسيّة، وفقًا للمناسبات والطقوس الدينيّة. فقد يكون هذا الصوم جزئيًّا أو كاملاً، وقد يتمّ خلال أيّامٍ معيّنةٍ من السنة، مثل الأعياد الدينيّة أو الاحتفالات الدينيّة الكبيرة.
وهذه بعض الأشكال الشائعة للصوم الهندوسي:
صوم الفراتا : (Vrata) هو الصوم الذي يُمارس خلال أيّامٍ معيّنةٍ من الشهر الهندوسي أو حسب المعتقدات الخاصّة بكلّ فردٍ أو عائلة. ويختلف مستوى الصوم حسب الشخص، فقد يكون الامتناع عن الطعام لفترةٍ معيّنةٍ أو الامتناع عن أطعمةٍ معيّنةٍ فقط.
صوم نافاراتري : (Navaratri) وهو أحد أشهَر الأعياد الهندوسيّة التي تستمرّ تسعة أيّام، حيث يمتنع الكثيرون عن تناول الطعام تمامًا أو يتناولون طعامًا نباتيًّا فقط. هذا الصوم يمثّل تكريسًا للإلهة دورغا.
صوم كارثيك ماس : (Kartik Maas) يعتبر صوم شهر كارثيك من أشهر فترات الصوم في الهندوسيّة، حيث يمارس العديد من الهندوس الامتناع عن الطعام بشكلٍ خاصٍّ خلال هذا الشهر تيمّناً بالآلهة.
الصوم من أجل الميمونة (Ekadashi) : وهو صوم يتمّ في اليوم الحادي عشر من كلّ نصف شهرٍ هجريٍّ وفق التقويم الهندوسي. في هذا اليوم، يمتنع العديد من الهندوس عن الطعام والشراب كطريقةٍ لتنقية الجسم والروح.
الأهداف الروحيّة للصوم الهندوسي
يتجاوز الصوم في الهندوسيّة كونه مجرّد طقسٍ بدنيٍّ إلى كونه وسيلةً لتحقيق أهدافٍ روحيّة، من أبرزها:
التطهير الروحي والجسدي، إذ يهدف الصوم إلى تطهير الجسم من الشوائب والطاقة السلبيّة، ممّا يساعد في تحسين الحالة الروحيّة والتقرّب إلى الإله.
تقوية الإرادة والانضباط الذاتي، إذ يعتبر الصوم أداةً لتقوية الإرادة والانضباط، حيث يتعلّم الأفراد السيطرة على شهواتهم ورغباتهم، وهو ما يعزّز الروحانيّة.
التأمّل والتفكّر، إذ يمنح الصوم الفرصة للتأمّل في الذات وفي معاني الحياة والوجود، كما يقلّل من التشتيت ويتيح التركيز الكامل على العبادة.
تحقيق المكافآت الروحيّة، فوفقًا للمعتقدات الهندوسيّة، يُعتقد أنّ الذين يصومون بتفانٍ وتجرّد، ينالون مكافآتٍ روحيّةً كبيرةً مثل النجاح في الحياة الروحيّة والخلود.
الصوم الهندوسي وأثره في الحياة اليوميّة
لا تقتصر فوائد الصوم في الهندوسيّة على الجانب الروحي فحسب، بل يمتدّ تأثيرها إلى الحياة اليوميّة أيضًا. فيساعد الصوم على تعزيز التركيز الذهني، والحدّ من التوتّر، وتطوير الروحانيّة في مجالات الحياة اليوميّة. ويُنظر إليه على أنّه فرصة للتخلّص من العادات السلبيّة والابتعاد عن التشتّت الذهني.