تتعدّد الرياضات التي مصدرها شرق آسيا، والملاحظ أنّها تجمع ما بين الفلسفة والواقع وتدمج الرياضة الجسديّة بالتأمّل العقلي.
وبالرغم من أنّ اليوغا الهنديّة من أشهر تلك الرياضات، إلّا أنّ رياضاتٍ أخرى انطلقت من بلاد الشرق الأقصى وباتت تحظى باهتمامٍ عالمي، ومنها رياضة وطريقة “زنّ” zenالتي هي من أصلٍ ياباني.
ال”زنّ” أكثر من رياضةٍ وأبعد من تأمّل، بل هي دعوة للانسجام مع الطبيعة الداخليّة للإنسان، كما مع الطبيعة الكونيّة على حدٍّ سواء.
واليوم فطريقة ال”زنّ” المأخوذة من تقاليد يابانيّةٍ خاصّة، أخذت تغزو البلاد وتنتشر عالميّاً، ووصلت إلى لبنان وبعضٍ من الدّول العربيّة.
زنّ أي اتّحاد
تعمي كلمة “زنّ”: اتّحاد.
فيسعى ممارس طريقة الزنّ نحو الاتّحاد، وذلك تخلّصاً من حالة الانفصال والصراع الذي نعيشه والحاصل بين “الأنا” و”الأنا السفلى” (نعيش بين تعارضَين أي بين ما تأمر به الأنا العليا وما تفرضه الأنا السفلى على الإنسان) بحسب تعريف وتعبير هذه الفلسفة.
من هنا، فالاتّحاد (الزنّ) يوصل الإنسان إلى السكون والهدوء الفكري والاستغراق في العقل الباطني، بعيداً عن الفكر السطحي المُعاش يوميّاً (والذي عادةً ما يكون مضطرباً كأمواج البحر)؛ وبهذا المعنى، فالزنّ – كترويضٍ ورقابة – يصبح حالةً دائمة، ومستمرّةً ومستقرّة.
العيش في الحاضر
والمعروف أنّ الإنسان المعاصر يعيش بالفكر السطحي الهائج، وهو إنسان معتاد على التفكير المتقلّب بين المستقبل والماضي، وبذلك فإنّه لا يعيش بالفعل، ولا يتمتّع بالحاضر (اللحظة).
عمليّاً – وبحسب تقنيّة الزنّ التأمّليّة – ننوجد في الحاضر، في اللحظة الحاليّة التي ليس فيها إلّا “الآن”؛ والذي – إن عاشه الإنسان – تصبح مشاكله صِفراً.
ولنستطيع العيش في “الآن” يجب أن نكون معتادين على التمرّن على ما هو موجود دائماً ألا وهو النّفَس، وهي الأداة الأساسيّة للسيطرة على تقلّبات الفكر والتمتّع بعيش اللحظة الآنيّة.
مستويات متعدّدة للوعي
كلّ ذلك يتطلّب “الدخول في الفكر” للوصول إلى عمقه. وعند الدخول في الفكر، هناك مستويات متعدّدة للوعي من الفكر النقدي والتوقّعي، للفكر الذي هو لحظَوي وهادىء (كالطفل الذي لديه وعي مطلق أي أنّه يعيش في سلامٍ وفرح)، وحالات الفكر في عمقها توصل إلى الاتّحاد مع الوعي الكوني. عندها تنقلب الأدوار، فتصبح لدينا المعادلة التالية: الوعي (الفكر العميق)، اللاوعي (الفكر السطحي).
وممارس الزنّ يتدرّج من حالة اللاوعي إلى الوعي الفردي ومن ثمّ إلى الوعي المطلق أو الاتّحاد (مع الانسحاب إلى الحواسّ).
ففي الزنّ سلوكيّات ومبادئ أخلاقيّة، يتأتّيان من: الانسحاب وتدريب الحواسّ (فعذاباتنا من حواسّنا).
زازن أي تقنيّة زنّ
تقنيّة ممارسة الزنّ تسمّى: زازن zazen، وهي – مبدئيّاً – مثل السهل الممتنع؛ كالتالي:
- الجلوس بشكل زهرة اللوتس.
- سحب الحواسّ إلى الداخل (الابتعاد عن الخارج).
- العيش في اللحظة الجسديّة (النّفَس أداة التأمّل هنا والجسم هو الوجود).
أمّا التقنيّة – بالمجمل – فهي كالتالي:
الاسترخاء الجسدي والتركيز على التنفّس أي تفريغ ما بداخلنا (من هموم الحياة اليوميّة)، لنسمح لله بالدخول فينا، وذلك من دون أيّ مجهود.
منافع لا تحصى
يقول أتباع هذه الرياضة التأمّليّة إنّه – بممارسة الزنّ – يتعرّف الإنسان إلى نفسه ويسيطر على ردّات فعله تجاه الخارج، وتحصل له العديد من الفوائد كالتالي:
تقوية الذاكرة، وتنظيم الغدد وإراحتها، وإراحة وتسهيل وتنظيم الدورة الدمويّة، وانتظام عمل القلب والتنفّس، وتخفيف الأوجاع والالتهابات، وإزالة الأرق والمشاكل النفسيّة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإنّ إنسان الزنّ مسالم وإيجابيّ ومحبّ للنّاس والطبيعة، وهو منفتح على الآخر؛ كما أنّه منسجم مع الكون ومتقبّل لظروف الحياة المختلفة (كالألم والموت)، وهو إلى ذلك متقبّل لعوامل الطبيعة وتقلّبات الوجود ما بين الحياة والموت.