يطلق عليه البعض اسم “مثلّث الشيطان” في إشارةٍ لخطورة المرور به، وتُربط أهواله بأعمال الجنّ.
فما بين أحاديث عن فراغٍ زمنيٍّ ووحوش بحرٍ عملاقةٍ وكائناتٍ فضائيّة… تضيع حقيقة فقدان طائراتٍ وسفنٍ في منطقةٍ تكتنفها الطلاسم.
لعلّه ما من اسم منطقةٍ جغرافيّةٍ بعينها حول العالم، أثارت الخوف والحيرة، والغموض والضبابيّة، بقدر تلك المنطقة التي عرفت باسم “مثلّت برمودا”، تلك التي استمرّ من حولها اللغط، لأكثر من 200 عام، من غير أن تظهر نظريّة واحدة تفسّر الأمر، وتكشف الحقيقة، سيّما وأنّ مئات السفن اختفت هناك ومثلها وربّما أكثر منها من الطائرات.
وقد ذهب البعض في حقيقة الحال للقول إنّ هناك ما يعرف بـ”الفراغ الزمني”، وهو مفهوم معقّد فيزيائيّاً، ويلزم تفسيره فهم أبعاد الزمن النّسبي عند أينشتاين.
البعض الآخر قال إنّ هذا المثلّث هو البقيّة الباقية من مملكة وحضارة أتلانتيس الغارقة، التي تحدّث عنها أفلاطون أوّل الأمر، ومن بعده كثير من الفلاسفة والأدباء.
فريق ثالث اعتبر أنّها منطقة مائيّة تسكنها كائنات فضائيّة، تقوم بابتلاعٍ غامضٍ لبعض ما يمرّ من فوقها من البشر بهدف إجراء التجارب عليهم، وهو المفهوم الذي يقترب من قصّة سكّان جوف الأرض الرماديّين.
وقد تطول التفسيرات في واقع الأمر من غير حسمٍ ممكن، ومنها أنّها مناطق إجراء تجارب سريّةٍ من قبل جيوشٍ غير معروفة، أرجعها البعض للفارّين من النازيّين، وآخرون قالوا إنّ الأميركييّن هم من يقومون بها.
ومثلّث برمودا هو منطقة جغرافيّة مثلّثة الأضلاع يبلغ كلّ ضلعٍ فيها نحو 1500 كيلومتر، فيما المساحة الإجماليّة للمثلّث تصل نحو مليون كلم مربّع، وتقع المنطقة في مياه المحيط الأطلسي، بين برمودا، وبورتوريكو، وولاية فلوريدا الأميركيّة.
بدأ الحديث عن مثلّث برمودا يأخذ أبعاده المحيّرة عام 1950 تحديداً، من خلال مقالةٍ في مجلّة “أسوشيتدبرس”، كتبه الصحافي الأميركي “إدوارد فان”، ومن بعده نشرت مجلّة “فيت” الأميركيّة مقالةً قصيرة، عنوانها “لغز في البحر عند بابنا الخلفي”، تناولت فيه فقدان عديدٍ من الطائرات والمراكب.
ولكي يزداد الحدث غموضاً، قامت مجلّة “ليجيون” الأميركيّة في أبريل (نيسان) من عام 1962، بتغطية حدث ضياع رحلةٍ جويّةٍ حملت الرقم (19).
وقد روّج البعض لأحاديث مفادها أنّ قائد الرحلة سمع يقول “نحن ندخل مياهاً بيضاء، لا شيء يبدو جيّداً، نحن لا نعرف أين نحن، المياه أصبحت خضراء لا بيضاء”.
وأكثر من هذا، زعمت بعض الأصوات أنّ تلك الرحلة قد اختطفت إلى المرّيخ مباشرة، وهو ما عزّزته مقالة تالية، كتبها “فينسيت جاديس” في مجلّة “أرجسوي” الأميركيّة، كان عنوانها “مثلّث برمودا القاتل”، التي رسّخت في أذهان الأميركيّين فكرة الأحداث الغريبة التي تجري في تلك المنطقة. ولاحقاً وسّع “جاديس” مقالته، لتصبح كتاباً بعنوان “آفاق غير مرئيّة”.
عبر نحو سبعة عقودٍ صدر عدد من المؤلّفات بلغاتٍ مختلفة، سواء داخل الولايات المتّحدة أو خارجها، تناولت شأن هذا المثلّث المرعب، الذي حمّل فيه كثيرون مسؤوليّة ما يحدث للفضائييّن تارة، ولوحوش البحر الغامضة تارةً ثانية. ولم يغفل هؤلاء وأولئك الحديث البوابات الزمنيّة أو الفضائيّة – النجميّة.
تمّ تناول شأن مثلّث برمودا مرّةً جديدةً هذه الأياّم، إذ نشرت صحيفة “ديلي ستار” البريطانيّة أخيراً تقريراً عن ماورائيّات ما يجري في تلك الرقعة المائيّة، بما في ذلك تناول أمر الاضطرابات المحتملة في مغناطيسيّة الأرض في تلك المنطقة، التي يمكنها أن تكون سبباً مباشراً في التأثير على البوصلات وبقيّة أدوات الملاحة.
وفي محاولةٍ لفهم ما يجري في هذا المثلّث المائي الذي يمثّل أحجيةً تاريخيّةً غامضة، تطفو على سطح الأحداث قصص من الغرابة بشكلٍ عجيب، غير أنّ الأعجب أن يجد لها بعض العلماء تفسيراتٍ أو تأويلاتٍ علميّة.
خذ إليك على سبيل المثال ما جرى في منتصف شهر مايو (أيّار) من عام 2015، ففي هذا التوقيت أعلنت السلطات الكوبيّة أنّ قوّاتها لخفر السواحل وجدت في مياه الكاريبي سفينةً من دون طاقم، وبالبحث والتحرّي اتّضح أنّها السفينة “أس أس كوتوباكسي”، التي اختفت في مياه مثلّث برمودا في ديسمبر (كانون الأوّل) من عام 1925.
الغريب أنّ السفينة العائدة من غياهب الزمن، ظهرت فجأةً في منطقةٍ محظورةٍ للملاحة لجهة الغرب من هافانا، ما استدعى إرسال ثلاثة زوارق دوريةً لاستكشافها بعد محاولاتٍ فاشلةٍ للاتّصال بالطاقم.
كان المدهش حين وصلت تلك الزوارق، رؤيتهم للسفينة الأسطوريّة التي بنيت منذ 100 عام، واختفت في مثلّث برمودا بالفعل.
وممّا وجده الخفر في السفينة دفتر مذكّراتٍ لقبطانٍ كان يخدم في ذلك الوقت في شركة الملاحة “كلينتشفيلد نافيغتشون” التابعة لشركة “أس أس كوتوباكسي”، ولكنّ المدوّنات لم تعطِ أيّ معلوماتٍ حول ما حدث للسّفينة قبل 90 عاماً.
قبل ظهور السفينة الكوبيّة بنحو عام، فسّرت مجموعة من العلماء الروس “سرّ مثلث برمودا”، من خلال اكتشاف ثلاث حفرٍ هائلةٍ غريبةٍ ظهرت في الأراضي الروسيّة وأثارت التساؤلات حول ما إذا كانت خدعةً من صنع الإنسان، أو عملاً من فعل كائناتٍ فضائيّةس خارجيّة، وربّما من جراء سقوط نيازك من السماء.
غير أنّ المفاجأة التي تكشّفت تمثّلت في أنّ الانفجارات الناجمة عمّا يسمّى بـ”هيدرات الغاز” (موادّ بلّوريّة صلبة يكون الماء أساساً في تركيبتها)، يمكن أن تكون الحلّ للغز مثلّث برمودا.
وقبل بضع سنوات، حين اختفت الطائرة الماليزيّة عام 2014، على رغم أنّها كانت في مساراتٍ ومداراتٍ بعيدةً كلّ البعد من منطقة مثلّث برمودا، الأمر الذي دعا المراقبين والمتابعين للتساؤل هل هناك مناطق مشابهة أخرى حول العالم، وهل من فجوةٍ زمنيّةٍ بعينها سقطت فيها الطائرة الماليزيّة، أم أنّ للدول العميقة وحكّام العالم الخفي إدارات وأجهزة، وأنّهم من يتلاعبون بمقدّرات البشر والحجر.